الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أرسل الله تعالى نبيه شعيباً عليه السلام إلى أصحاب الأيكة، وهم مدين. قال تعالى: (وإلى
مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [هود:84]
وقال تعالى: (كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون)
[الشعراء:177] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (هؤلاء -يعني أصحاب الأيكة-
هم أهل مدين على الصحيح، وكان نبي الله شعيب من أنفسهم، وإنما لم يقل هاهنا
-في الآية الثانية- أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي: شجر
ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها، فلهذا لما قال كذب أصحاب الأيكة المرسلين لم
يقل إذ قال لهم أخوهم شعيب إنما قال: إذ قال لهم شعيب . فقطع نسب الأخوة
بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه. وإن كان أخاهم نسباً، ومن الناس من لم يفطن
لهذه النكتة فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيباً عليه السلام
بعثه الله إلى أمتين، ومنهم من قال ثلاث أمم... والصحيح أنهم أمة واحدة
وصفوا في كل مقام بشيء، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان،
كما في قصة مدين سواء بسواء، فدل ذلك على أنهما أمة واحدة،ويذكر انهم عاشوافي
بلدة مليئة بالماء والأشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفهة ثرية
فأُصيبوا بالغرور والغفلة، فأدى ذلك إلى الإحتكار والفساد في الأرض.فبعد
أن يئس من إِصلاحهم أصابهم حرٌّ شديد استمر لعدّة أيّام متصلة، وفي اليوم
الأخير ظهرت سحابة في السماء اجتمعوا في ظلها، ليتفيؤوا من حر ذلك اليوم،
فنزلت عليهم صاعقة مهلكة فقطعت دابرهم عن آخرهم.